أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرًا جديدًا تناول خلاله العلاقة وثيقة الصلة بين الإبداع والابتكار من جهة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة من جهة أخرى، مشيراً إلى أن الابتكار أحد محددات التنمية في الدول، فلم يعد الأمر مقتصرًا على وجود موارد طبيعية من عدمه، بل أصبح الأمر يتعلق بالابتكار والمعرفة في إدارة هذه الموارد من أجل تحقيق التنمية، كما يُشكّل الابتكار أحد الأعمدة الرئيسة لتحقيق أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول عام 2030، والتي تم إطلاقها عام 2015، وعليه حظيت العلاقة بين الابتكار والتنمية الاقتصادية باهتمام كبير من الباحثين، وشغلت حيزًا لا بأس به في حقل المعرفة في البحوث الاقتصادية.
وأضاف المركز إلى أن المعرفة أصبحت اقتصادًا قائمًا بذاته، ويتوقف إنتاج المعرفة على قدرة العقول على الابتكار والتجديد لتحقيق التنمية في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، وقد أشارت أحدث تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الصناعات الإبداعية تسهم بنحو 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وأنه من المتوقع نمو الاقتصاد الإبداعي بنسبة 40% بحلول عام 2030، وكلها أمور تثبت ما للابتكار والإبداع من أهمية كبرى باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لنهضة الأمم.
تطرق التقرير ليتناول أبرز الإحصاءات والأرقام ذات الصلة بالاقتصاد الإبداعي، مع تسليط الضوء على أبرز المؤشرات العالمية في مجال الابتكار والتجارب الدولية الرائدة في هذا المجال، كما سلط الضوء على الإبداع والابتكار باعتبارهما متطلبين رئيسين لوظائف المستقبل، واستعرض أبرز جهود الدولة المصرية في مجال الابتكار والإبداع.
وأكد المركز أنه بالنظر إلى الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة الخاص بـ "إقامة بُنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع، وتشجيع الابتكار" نجده يعطي مزيدًا من الاهتمام بالابتكار والبحث العلمي، حيث تنص الغاية الخامسة من هذا الهدف على "تعزيز البحث العلمي وتحسين القدرات التكنولوجية في القطاعات الصناعية في جميع البلدان، لا سيما البلدان النامية، بما في ذلك تشجيع الابتكار والزيادة بنسبة كبيرة في عدد العاملين في مجال البحث والتطوير لكل مليون شخص، وزيادة إنفاق القطاعين العام والخاص على البحث والتطوير".
وتعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إحدى الأدوات التمكينية للابتكار، والتي تساعد في تحقيق التنمية الشاملة، كما أنها تساهم في تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة والمتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين، فبفضل الابتكارات والتكنولوجيا والتقنيات المعرفية الجديدة، والتي كشفت عنها جائحة كورونا وأبانت تأثيراتها الإيجابية، استطاعت المرأة إكمال تعليمها من المنزل، وكذا استكمال مسيرتها المهنية من خلال العمل عن بعد، فضلاً عن إتاحة هذه التقنيات الفرصة للمرأة التي تمتهن الحرف اليدوية أن تسوّق لمنتجاتها من المنزل.
كما أن الابتكار إحدى الأدوات الفاعلة في تحقيق الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، والمتعلق بـ "إقامة مجتمعات مسالمة لا يتم تهميش أحد فيها لتحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة خاضعة للمساءلة"، كذلك فإن الهدف 17 من الأهداف الإنمائية ينص في الغايتين السابعة والثامنة على أهمية تسخير العلوم والتكنولوجيا والابتكار لتحقيق التنمية المستدامة، وكذا أهمية نقلها إلى البلدان النامية.
كما أن قضايا مثل مجابهة التغير المناخي وتحسين البيئة والحفاظ على مواردها تعتمد بشكل رئيس في حلها على الابتكار، وذلك لخفض انبعاثات الكربون من خلال ابتكار تقنيات جديدة للطاقة، مثل: الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح أو ما تعرف بمصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، هذا فضلاً عن تقنيات ترشيد استهلاك الموارد البيئية بما يضمن استدامتها لاستفادة الأجيال القادمة منها.
وأصبح من الواضح أيضًا الاعتماد على التقنيات الجديدة في تحلية المياه، وذلك اتساقًا مع الهدف السادس للتنمية المستدامة والمتعلق بـ "توفير المياه النظيفة والنظافة الصحية"، وبما يتيح فرصة الحياة لكثير من المناطق التي تعاني من نقص في المياه العذبة أو تلك المناطق التي تزيد فيها المياه المالحة، وإلى جانب استخدام المياه المحلاة لأغراض الشرب أصبحت تستخدم أيضًا في ري الأراضي بما يساهم في تحقيق الهدف الثاني للتنمية المستدامة والمتعلق بـ "القضاء على الجوع"، والفضل في ذلك يعود للابتكار.
وأوضح التقرير تعريف الاقتصاد الابداعي مشيراً إلى أنه مفهوم متطور يقوم على التفاعل بين الإبداع البشري والأفكار والملكية الفكرية والمعرفة والتكنولوجيا ومنذ عام 2004 سعى "الأونكتاد" إلى تشكيل الفهم العالمي للاقتصاد الإبداعي؛ لتعزيز التنمية من خلال الابداع.
كما استعرض التقرير حجم ومؤشرات الاقتصاد الإبداعي، حيث يساهم الاقتصاد الإبداعي بنحو 6.1% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بمتوسط يتراوح بين 2% و7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الإبداعي بنسبة 40% بحلول عام 2030، وتوفر الصناعات الثقافية والإبداعية 6.2% من جميع فرص العمل، وتولد صناعات الاقتصاد الإبداعي عائدات سنوية تزيد على 2 تريليون دولار، كما تشكل الصناعات الثقافية والإبداعية ما يقرب من 50 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم، كما تمثل النساء حوالي نصف هؤلاء العمال، ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة بين عامي 2019 و2020، كان هناك انكماش بقيمة 750 مليار دولار في إجمالي القيمة المضافة من قبل الاقتصاد الإبداعي على مستوى العالم بسبب فيروس كورونا،