شارك الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في جلسة حوارية بشأن الوضع في قطاع غزة، ضمن فعاليات اليوم الثاني للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي تستضيفه العاصمة السعودية الرياض، وذلك بحضور الدكتور بشر الخصاونة، رئيس الوزراء بالمملكة الأردنية الهاشمية، والسيدة سيجريد كاج كبير منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، والسيد سامر خوري، رئيس شركة اتحاد المقاولين العالمية "CCC"، وأدار الجلسة أحد مسئولى المنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي مستهل كلمته، أعرب رئيس الوزراء عن تقديره لجهود المملكة العربية السعودية في حسن تنظيم المنتدى الاقتصادي العالمي، موجهًا الشكر لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان على دعمهما لإخراج المنتدى بهذه الصورة الناجحة.
وانتقل رئيس الوزراء بعد ذلك للحديث عن تداعيات الحرب على غزة التي أصبحت بمثابة "كابوس" للعالم بأسره منذ اندلاع شرارتها الأولى في السابع من أكتوبر 2023.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي إن مصر منذ اللحظة الأولى لنشوب هذه الحرب أعلنت موقفها بكل وضوح "بأنها تعارض تمامًا كل صور الهجوم على المدنيين من الجانبين، ونحن لا ندعم ما حدث في السابع من أكتوبر ضد المواطنين الإسرائيليين، ولكن ردة الفعل من الجانب الإسرائيلي كانت صادمة، إذ كانت بمثابة عقاب جماعي لكل الفلسطينيين سكان قطاع غزة، وليس ردًا عقابيًا لحماس وحدها، ودفع جميع الفلسطينيين في قطاع غزة ثمن ما حدث في يوم السابع من أكتوبر.
وتابع: نحن نتحدث عن تضرر نحو 2.5 مليون مواطن فلسطيني كان يعيشون بقطاع غزة، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من ٣٤ ألف شخص، وتعرض ٧٧ ألف شخص لجروح وإصابات، فضلًا عن وجود ما يقرب من ٧ آلاف شخص تحت الأنقاض، وإلى جانب ذلك فإن أكثر من 84% من المنشآت الصحية تم تدميرها، كما توقفت المنظومة التعليمية، وتم تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية بالقطاع.
وأكد أنه حتى لو نجحت جهود الوساطة في وقف إطلاق النار اليوم، وبدأنا ننظر لمستقبل هذا القطاع، نحن نتحدث -بدون مبالغة- عن عقود حتى يعود القطاع لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر منذ اليوم الأول أعلنت دعمها للفلسطينيين، واستطيع أن أقول بدون مبالغة أن أكثر من 85% من جميع المساعدات الإنسانية التي وصلت قطاع غزة، تم حشدها من قبل الحكومة المصرية والمجتمع المدني المصري.
وتطرق الدكتور مصطفى مدبولي إلى عملية إدخال المساعدات عبر معبر رفح الحدودي، وبعد ذلك عبر معبر كرم أبو سالم، مشيرًا إلى "أننا حاولنا تمرير جميع أنواع المساعدات من جانبنا على الرغم من أن معبر رفح ليس معبرا لمرور الشاحنات أو للبضائع، لكن للأشخاص بشكل أساسي، لكننا قمنا رغم ذلك بفتحه منذ اليوم الأول، وما زال مفتوحًا على مدار اليوم من جانبنا من أجل محاولة عبور كل أنواع المساعدات".
وقال: بالإضافة إلى ذلك نجحنا في استقبال العديد من الإصابات الحرجة، مشيدًا في هذا السياق بجميع المؤسسات والمنظمات العالمية الداعمة وكذا الكثير من الدول التي عرضت استضافة عدد من هؤلاء المصابين بغرض تلقيهم العلاج على أراضي هذه الدول، مشيرًا إلى أن الآلآف من هؤلاء المصابين تم استضافتهم في مصر وتلقيهم العلاج في المنشآت الصحية المصرية.
وأضاف: فيما يتعلق بالتكلفة المباشرة وغير المباشرة على مصر، سأعطي فقط رقما عاما حول أعداد الضيوف الأجانب في مصر -ونحن لا نسميهم لاجئين بل ضيوفنا- فمصر اليوم تستضيف ما يزيد على 9 ملايين شخص من دول الإقليم وأفريقيا بسبب ظروف عدم الاستقرار في هذه البلدان، مشيرًا إلى أن التكلفة المباشرة لاستقبال هذا العدد أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا وهي قيمة تتحملها الدولة المصرية على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تجابهها.
وتابع: بالعودة إلى ملف الحرب في غزة، لدينا قناعة بأن أهم شيء الآن هو العمل من أجل تجنب أي هجوم على رفح، لأن الوضع الحالي في رفح الفلسطينية الآن هو أننا لدينا أكثر من 1.1 مليون فلسطيني تم تهجيرهم من شمال ووسط غزة، بالإضافة إلى 250 ألفا من سكان رفح.
وقال رئيس الوزراء أيضًا أن ثمة ما بين 1.3 و1.4 مليون نازح فلسطيني منتشرين وموزَّعين على الحدود بين مصر ومعبر رفح، لافتًا إلى أن أي نوع من الهجوم على هؤلاء سيكون بمثابة إجراءً كارثي، كما سيؤدي إلى النزوح الجماعي لهؤلاء الفلسطينيين بحثًا عن موطِن آمن، ما يمكن أن يضع ضغوطًا على المنطقة الحدودية مع مصر.
وأكد في هذا الإطار أن الحكومة المصرية، ومن وجهة نظر إنسانية، مستعدة لتوفير كل أنواع الدعم للشعب الفلسطيني، ولكن من المنظور السياسي، سيُسهم ذلك بالتأكيد في تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي: اعتقد أن كل ذلك يضعنا كمجتمع دولي في موقف يتطلب أن نفعل ما بوسعنا لمنع حدوث تلك العملية في رفح، ودفع طرفي الحرب من أجل التوصُّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يسمح لنا بفسحة من الوقت تسمح ببدء عملية المفاوضات مرة أخرى.
وأكد رئيس مجلس الوزراء على الهدف الرئيس بشأن الحل السياسي للقضية الفلسطينية، وهو "حل الدولتين"، مشيرًا إلى أن أي مفاوضات لم تنتهِ بحل الدولتين ستُفضي إلى استمرار تلك الأزمة دون توقف، لذا؛ يجب أن يعمل العالم جاهدًا لإيقاف الهجمات والأزمة الإنسانية في قطاع غزة، ثمّ تبنّي الخطوات التي من شأنها الوصول إلى حل الدولتين.
وحول المفاوضات بين حماس وإسرائيل، قال "مدبولي": نحن نستضيف المحادثات بين الطرفين حول قضايا محددة، ولكن لا تزال القضايا الجوهرية تحتاج إلى حلٍ وسط من قِبل الطرفين.
وأكد أن الموقف بات أكثر تعقيدًا، في ظل الوضع السياسي الداخلي للطرفين؛ حيث توجد ضغوط داخلية تدفع الطرفين لعدم التوصل إلى أي تسوية.
وقال: يضيف ذلك مزيدًا من الصعوبات التي تحول دون التوصل إلى حل من شأنه تحقيق المصلحة لجميع الأطراف، حيث يتحدث كل طرف في المفاوضات عن أجندته الخاصة، وذلك ما تسعى مصر إلى حله وإقناع الأطراف بالتوصل إلى حل وسط.
وقال: أريد أن أنوِّه إلى الآثار الاقتصادية الشديدة والمباشرة على مصر، لافتًا إلى انخفاض عائدات قناة السويس -نتيجة تراجُع التجارة العالمية- بمعدل أكثر من النصف في الأشهر الأربعة الأخيرة.
وتابع أنه نتيجة لذلك أيضًا تسعى مصر إلى التوصل إلى تسوية بين الطرفين.
وقال فى ختام كلمته: أود أن أؤكد أنه في عام 1948 اعترف العالم بأسره بالدولة الإسرائيلية، وفي هذا الوقت أقر مجلس الأمن الدولي بحل الدولتين، لذا يتعين على العالم أجمع -اليوم قبل غد- أن يجتمع من أجل الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وتابع: ما يحدث فى غزة يخالف كل ما تعلمناه وسمعناه من الغرب عن حقوق الإنسان والاحتياجات الإنسانية الأساسية والديمقراطية وكل الأمور الأخرى التي يتبناها الغرب، وهذا يخلق شكوكًا حول جدية تبني هذه المباديء.
وأضاف: لو أنكم تعتقدون أن إرجاء قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيحل الأمر أو أن هذا سيكون في صالح إسرائيل فأنتم مخطئون تمامًا، على العكس سيكون هذا ضد مستقبل إسرائيل، ولا يمكنكم تصور ما يمكن أن يحدث في المستقبل، لأننا نتحدث عن أمة فلسطينية ترزح منذ 75 عامًا تحت وطأة الاعتداء والاحتلال ونقص جميع الحقوق الأساسية للعيش في وطنهم التاريخي، وهو الحق الذي يتبناه الجميع في الجلسات غير العلنية، لكن عندما يتعلق الأمر بالحقيقة واتخاذ موقف واضح وقوي، الجميع يتراجع.
وأضاف: "أعتقد أن الآن هو الوقت المناسب للعالم إذا أن يجتمع على كلمة سواء إذا كان يود أن يجد حلا جادا للأزمة الحالية في المنطقة، لأننا لا نستطيع أن نتخيل حجم التصاعد في الأزمة ، ولقد رأينا دليلا على ذلك ما حدث بين إيران وإسرائيل خلال أيام قليلة، لذلك ماذا سوف يكون الموقف للعالم كله لو حدثت حرب في المنطقة، وإذا كنا نظن أننا بعيدون عن هذه الحرب فإننا في موقف صعب، فكل فرد وكل دولة سوف تتأثر بهذه الحرب، ولذلك فإن دورنا اليوم هو أن ندفع باتجاه حل الدولتين، والقيام بكافة جهود إعادة البناء وتقديم كل أنواع المساعدة الإنسانية للشعب الفلسطيني.