أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريراً تحت عنوان "الأزمات الاقتصادية... تعثر يعقبه تعافٍ"، حيث سلط التقرير الضوء على مجموعة من الأزمات الاقتصادية على مدار قرن سابق تقريبًا، بداية من أزمة الكساد الكبير (1929م – 1933م)، وصولًا للأزمة الروسية الأوكرانية التي مازالت مستمرة وتلقي بظلالها على العالم بأسره، حيث أشار التقرير إلى أن العالم قد عانى العديد من الأزمات الاقتصادية في القرن الماضي والقرن الحالي؛ ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي فقد حدثت نحو 124 أزمةً مصرفيةً، و208 أزمة عملة، ونحو 63 أزمةَ دينٍ عام و26 أزمة مزدوجة و8 أزمات ثلاثية، خلال الفترة (1970-2007) فقط.
وأوضح المركز أن العالم شهد عددًا من الأزمات الاقتصادية الكبرى أهمها أزمة الكساد الكبير في عامي 1929 و1933 حين انخفضت كمية السلع والخدمات المنتجة في الولايات المتحدة بمقدار الثلث وبلغ معدل البطالة 25%، وانخفضت قيمة سوق الأسهم في أمريكا 80%.
وخلال حرب أكتوبر المجيدة في 1973 حدثت "الصدمة النفطية الأولى" حين قررت ست دول عربية في المنظمة العربية للدول المصدرة للبترول (الأوبك)، رفع أسعار النفط من 3.01 دولارات إلى 11.65 دولاراً، وقد ترتب على هذه الصدمة النفطية ظواهر جديدة أثرت في الاقتصاد الدولي أهمها تغير موازين القوى بين الولايات المتحدة من ناحية ومجموعة بلدان غرب أوروبا واليابان من ناحية أخرى، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة تكلفة الطاقة بشكل واضح في المجموعة الثانية التي تعتمد إلى حد كبير على النفط المستورد مقارنة بالولايات المتحدة.
كذلك فقد وقعت أزمة الديون المصرفية، حيث أدت سلسلة من الصدمات الخارجية من منتصف عام 1979 إلى منتصف عام 1982 -والتي نتجت بشكل أساسي عن تناقضات السياسات والصراعات في البلدان الصناعية-، إلى أزمة مالية واسعة النطاق، أولاً في أوروبا الشرقية ثم في أمريكا اللاتينية، وأخيراً في بقية العالم النامي، وفي عام 1982 بلغ إجمالي القروض المستحقة على دول أمريكا اللاتينية 327 مليار دولار، وبلغ إجمالي الدول الغير قادرة على سداد الديون 67 دولة.
أما أزمة انهيار سوق الأسهم -أول أزمة مالية عالمية معاصرة- فقد اندلعت في 19 أكتوبر 1987، وهو اليوم المعروف باسم "الإثنين الأسود" وهي لا تزال أكبر خسارة في سوق الأسهم ليوم واحد في التاريخ منذ الكساد الكبير، حيث بلغ ترامج مؤشر داو جونز الصناعي 22.6%، وتراجع مؤشر s&p 500 إلى 20.4%.
كذلك لفت التقرير الانتباه إلى الأزمة المكسيكية والتي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث واجهت المكسيك أزمات اقتصادية متعددة، لعل أبرزها عام 1994 حيث أدى الانخفاض القوي في قيمة البيزو إلى أزمة القطاع المصرفي حيث بلغ معدل انكماش اقتصاد المكسيك 10%، وارتفع معدل البطالة في المكسيك عام 1995 إلى 6.2%.
وأبرز التقرير الأزمة الأسيوية، حيث بدأت في عام 1997 أزمة العملة في تايلاند وسرعان ما تطورت إلى أزمة مالية واقتصادية وانتشرت إلى بلدان أخرى في المنطقة، وانخفضت أسعار العملات والأصول في معظم البلدان.
وتطرق التقرير إلى أزمة السيولة، حيث تسبب التدمير الواسع للبنية التحتية المادية الداعمة للمؤسسات المالية في مركز التجارة العالمي خلال أحداث 11 سبتمبر 2001 وانهيار الاتصالات السلكية واللاسلكية على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة في حدوث اضطرابات في الأسواق المالية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم إغلاق أسواق الأسهم الأمريكية لمدة أربعة أيام وتوقف معظم تداول السندات، وعلى الرغم من ذلك كان رد فعل مجلس الاحتياطي الفيدرالي على الآثار المباشرة للهجمات هو توفير السيولة للشركات والأفراد، حيث حث الاحتياطي الفيدرالي جنباً إلى جنب مع المراقب المالي للعملة- البنوك على إعادة هيكلة القروض للمقترضين الذين يعانون من مشكلات السيولة المؤقتة، وللمساعدة في إعادة الهيكلة وفر بنك الاحتياطي الفيدرالي سيولة إضافية.
وسلط تقرير مركز المعلومات الضوء على ما حدث في عام 2008 حيث واجه العالم أزمة مالية عاتية هزت أكبر اقتصادات العالم الولايات المتحدة الأمريكية ولم يلبث أن تردد صداها في مختلف الأسواق المالية، حيث فقدت معظم بورصات العالم ما يتراوح بين ثلث ونصف قيمتها، وحتى سبتمبر 2008 كانت استجابة السياسة الرئيسة للأزمة تأتي من البنوك المركزية التي خفضت أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي الذي بدأ يتباطأ في أواخر عام 2007 ومع ذلك تصاعدت استجابة السياسة في أعقاب انهيار بنك ليمان براذرز.
وأشار التقرير إلى أزمة نوبة الغضب التدريجي والارتفاع المفاجئ في عوائد سندات الخزانة الأمريكية خلال عام 2013، حيث انخفض تدفقات رؤوس الأموال للأسواق الناشئة بمقدار 30%، كما انخفض مؤشر msci للأسواق الناشئة بمقدار 12%، ولكن لم يبطئ بنك الاحتياطي الفيدرالي فعلياً شراء التيسير الكمي بل بدأ في جولة ثالثة من مشتريات السندات الضخمة، مما أدي إلى تعزيز معنويات المستثمرين وإدارة توقعات المستثمرين بفعالية، وبمجرد إدراك المستثمرون أنه لا يوجد سبب للذعر استقرت أسواق المال.
كما أبرز التقرير التحديات المتعددة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي معه بدء انتشار جائحة كورونا في عام 2020، حيث نتج عن هذه الأزمة خسائر في الأرواح والاقتصاد، كما كان للقيود التي فرضت لكبح انتشار الفيروس تأثير على النمو الاقتصادي، ولكن تعافي النمو سريعاً وحقق معدلات عالية، حيث وصل النمو في عام 2021 إلى 5.2% لكن هذا النمو لم يدم طويلاً حيث بدأت الأزمة الروسية- الأوكرانية والتي نتج عنها أشد أزمة طاقة تشهدها الاقتصادات المتقدمة منذ سبعينيات القرن السابق، وارتفاع التضخم بشكل غير مسبوق، واتجاه البنوك المركزية الكبرى نحو تشديد السياسات النقدية، وعاد النمو مرة أخري للانخفاض، فوصل عام 2022 إلى 2.4%.